Wednesday, March 6, 2019

كيف أجبر انقطاع الكهرباء بلدة إسبانية على تغيير بداية العام الجديد؟

أضيئت شوارع بلدة بيرتشوليس بأنوار الاحتفالات، ورُصت أكوام من العنب، الذي درج الإسبانيون على تناول 12 حبة منه عشية رأس السنة الميلادية ليجلب لهم الحظ. وترقب سكان البلدة دقات الساعة لتعلن قدوم العام الجديد.
غير أن هذا اليوم لا يصادف 31 من ديسمبر/كانون الأول، بل أول عطلة نهاية إسبوع في شهر أغسطس/آب.
إذ دأبت بلدة بيرتشوليس، التي تقع على جبال منطقة البشرات بإقليم الأندلس، على الاحتفال برأس السنة الميلادية في أغسطس/آب منذ 25 عاما.
وتعود جذور هذا الاحتفال إلى الساعات الأخيرة من عام 1993، حين كانت البلدة على أهبة الاستعداد للاحتفال برأس السنة الميلادية، لكن الحفل انفض قبل أن ينتصف الليل ببضع ساعات.
يقول إسماعيل باديلا غيرفيلا، عمدة بيرتشوليس: "كنت أبلغ من العمر حينذاك 11 عاما، وقبيل الثامنة مساء، انطفأت جميع الأنوار في البلدة". إذ انقطع التيار الكهربائي بسبب سوء الأحوال الجوية، واستقبلت القرية عام 1994 وهي غارقة في الظلام الدامس."
ويضيف: "تناولنا العشاء على ضوء الشموع، واستمعنا لمذياع قديم يعمل بالبطاريات، لم نعتد على استخدامه من قبل، لكنه أدى الغرض في هذه الأمسية".
وقد عادت الكهرباء في اليوم التالي، لكن بداية العام الجديد كانت مخيبة للآمال. واجتمع أهل البلدة لاحقا للتنفيس عن غضبهم وإحباطهم من الشركة المزودة للكهرباء، التي رأى البعض أنها حرمتهم من فرحتهم بالعام الجديد. وتمخض الاجتماع عن فكرة مبتكرة.
وأقامت البلدة احتفالات رأس السنة التي طال انتظارها في السادس من أغسطس/آب عام 1994، وكان لهذه الاحتفالات أثر كبير على البلدة. فمنذ ذلك الحين، تضاعف الإقبال على موسم المهرجانات هناك. ويقول أنتونيو كاستيلو سانشيز، رئيس جميعة احتفالات رأس السنة بالبلدة، إن عدد الزوار في شهر أغسطس/آب تجاوز عشرة آلاف شخص.
يقول باديفا غيرفيلا: "فكرنا في إقامة الحفل في أغسطس/آب لمساعدة الحانات والمطاعم والمتاجر في تعويض الخسائر التي تكبدتها في ديسبمر/كانون الأول واستغلال بدء الموسم السياحي الصيفي. لكن الفكرة حققت نجاحا ساحقا إلى حد أننا قررنا أن نواصل الاحتفال بها في هذا الموعد من كل عام".
ولم يصبح يوم 31 ديمسبر/كانون الأول آخر يوم في السنة الميلادية إلا في عام 46 قبل الميلاد، عندما أمر يوليوس قيصر بإصلاح التقويم الروماني. ومنذ ذلك الحين، أصبح الأول من يناير/كانون الثاني هو أول يوم في السنة الميلادية.
لكن علماء الفلك الذين كلفهم يوليوس قيصر بوضع التقويم الجديد ارتكبوا خطأ في حساب طول السنة الشمسية- أي الوقت الذي تستغرقه الأرض لتكمل دورة كاملة حول الشمس- إذ كان الفارق بين التقويم المعمول به والسنة الشمسية 11 دقيقة. ومع مرور السنين، تراكم هذا الفرق حتى أضاف في منتصف القرن الخامس عشر، 10 أيام إلى السنة. وفي هذا الوقت كان عدد كبير من البلدان الأوروبية يحتفل بالعام الجديد تزامنا مع الأعياد الدينية، مثل عيد الميلاد المجيد.
وفي عام 1582، عمل البابا غريغوري الثالث عشر مع علماء الفلك على تصحيح هذا الخطأ بوضع التقويم الغريغوري، ليعيد الأول من يناير إلى بداية السنة الميلادية، لكن هذا التقويم لم يطبق في البداية إلا في عدد من البلدان التي كان أكثرها أوروبية كاثوليكية، ومنها إسبانيا. وظلت إنجلترا تحتفل برأس السنة يوم 25 مارس/آذار حتى عام 1752، حين طبقت التقويم الجديد.
وتقع قرية بيرتشوليس على ارتفاع 1.319 مترا من سطح البحر بين سفوح جبال سييرا نيفادا، ولا يمكن الوصول إليها إلا عبر طريق واحد يمتد من مدينة غرناطة ويقطع أراض وعرة تتناثر فيها أشجار اللوز.
ويغلب على مباني بلدة بيرتشوليس اللون الأبيض ويتخللها شوارع ضيقة ومتعرجة، وتشتهر البلدة بزراعة البطاطس، وتنتج أيضا أفضل الطماطم الكرزية في المنطقة. كما تشتهر بالمياه الغنية بالحديد، التي يقال إنها مفيدة للعضلات والقلب، بحسب الرسالة المكتوبة على إحدى البلاطات فوق ينبوع المياه في مدخل البلدة. ويشاع أن من يشرب من مياه هذا الينبوع سيعثر على فتاة أحلامه أو على الأقل يتزوج.
وتبدأ الاستعدادات للاحتفال برأس السنة الميلادية من شهر يناير/كانون الثاني، لكن إقامة حفل يحضره هذا العدد من الزوار وفي هذه القرية التي لا يمكن الوصول إليها إلا عبر طريق واحد، تتطلب تنظيما في غاية الدقة.
وتزخر الموائد في هذا اليوم بأصناف المأكولات التي اعتاد سكان المنطقة على تناولها في موسم عيد الميلاد، مثل الكعك الذي يعد الطهاة منه نحو ثلاثة آلاف كيلوغرام لتلبية الطلب الكبير عليه. وتوضع أطباق الرومي واللحم إلى جوار الأحسية الصيفية الباردة.
ويطوف بالقرية ثلاثة فرسان على صهوات خيولهم يرتدون زي الحكماء الثلاثة من قصة ميلاد المسيح، وسط جمهور الحاضرين وراقصي السامبا، بينما يحمل حمار على ظهره أجولة من الحلوى التقليدية وتوزع على الأطفال. وتباع أكياس العنب التي تحوي كل منها 12 حبة لمن يود أن يتمتع بحظ سعيد، ويتهافت الناس على متجر صغير يبيع قبعات سانتا كلوز وقرون غزلان الرنة.
ومع هبوب نسائم المساء، تجمع الناس في الميدانين الرئيسيين بالبلدة، لمتابعة عقارب الساعة الكبيرة فوق برج الكنيسة وهي تدنو من منتصف الليل. وما إن سمع الناس أجراس الساعة حتى أطلقوا صيحات مدوية ترددت أصداؤها في الطرقات. وبدأ نزول الثلج الاصطناعي، وتبادل الحاضرون، أصدقاء وغرباء، الأحضان والقبلات والتهنئة.
وواصل سكان البلدة وزوارها الغناء والرقص حتى صباح اليوم التالي. وتقول كارمن إيزبينوزا، صيدلانية من غرناطة: "الهواء في القرية نظيف ونقي، وتفوح روائح أطعمة عيد الميلاد في شوارعها لتضفي على القرية أجواء احتفالية تسودها الألفة والمودة، وتجعلك تشعر أنك في موطنك".
وبعد مرور 25 عام على تغيير موعد الاحتفال برأس السنة، تقدمت البلدة بطلب لحكومة إقليم الأندلس للاعتراف رسميا بيوم الاحتفال البديل كمهرجان محلي للجذب السياحي.
ويقول باديلا غيرفيلا: "استطعنا أن نحول الحادث السلبي إلى أمر إيجابي عاد علينا بفوائد جمة، ويتوافد الزوار الآن على البلدة من جميع أنحاء العالم".
ويقول كاستيلو سانشيز: "تنتشر حفلات الشوارع في كل مكان في إسبانيا، لكن حفل رأس السنة في أغسطس/آب، لن تصادفه إلا في بلدة بيرتشوليس".